قصص من الميدان
ملخص الدراسة النوعية الخاصة بتأثر المجتمعات المستهدفة بأحداث عام 2011 وتبعات ذلك على أنشطة الصندوق
أشارت توصية دراسة نوعية قام بها الصندوق الاجتماعي للتنمية إلى تفاقم حدة الاحتياجات التنموية في اليمن بسبب أحداث عام 2011 وتأثيرها على حياة سكان الريف والحضر الذين انقطعت عنهم الخدمات وجهود التنمية نسبي ومما زادَ في حِدة الوضعِ توقـفُ معظم المشاريع التنموية الحكومية وغير الحكومية، وكذا توقف المصانع الصغيرة والورش وتسريح الكثير من العمالة.
وقد هدَفَ الصندوق الاجتماعي من تنفيذه لتلك الدراسة النوعية إلى التعرف على نتائج تأثر المجتمعات المستهدفة من مشاريعه بأحداث عام 2011 وصور مواجهتهم لنتائج تلك الأحداث وتبعات كل ذلك على أنشطة الصندوق وجهود التنمية. وقد بلغ إجمالي عدد المناطق التي تم دراستها 47 منطقة ريفية وحضرية، موزعة على 47 مديرية ضمن 20 محافظة. وتم جمع البيانات النوعية باستخدام مجموعة من الأدوات التشاركية من واقع الزيارات الميدانية التي قامت بها فرق الصندوق الميدانية إلى المناطق المبحوثة. وتمثلت أبرز نتائج الدراسة في الآتي:
حدوث تأثر وتدهور كبير في الوضع الاقتصادي، والنشاط السياحي، وارتفاع الأسعار، وندرة الوقود، وندرة بعض السلع والخدمات وضعف توفرها في الأسواق المحلية بالكميات الكافية.. مما أدى إلى تزايد ظاهرة الاحتكار، إضافةً إلى صعوبة وصول تلك السلع والخدمات بسبب غلاء النقل وزيادة كلفة وصعوبة المواصلات وقطع الطرقات الناتج عن التدهور الأمني، بالإضافة إلى ضعف القوة الشرائية خلال الأحداث التي رافقها تدهور كبير في الأجور وفرص العمل والدخل.
ظهور استنزاف للأصول الإنتاجية للأسر الفقيرة في كثير من مناطق الاستهداف، حيث اضطر الناس إلى بيع المقتنيات مثل الذهب والسلاح والأشياء الثمينة بهدف توفير متطلبات المعيشة الضرورية والأساسية. كما ظهر انعدام فرص الادخار في معظم مناطق الدراسة، بالإضافة إلى تغير أوجه الإنفاق بحيث اتجه الإنفاق للاحتياجات الضرورية جداً وخاصة توفير الغذاء، وانخفض الإنفاق على الصحة والتعليم وغيرها من متطلبات وأساسيات الحياة. كما أتى الناس على جوانب إنفاق جديدة لم تكن موجودة في السابق كالإنفاق على مواد الإضاءة البديلة، وزاد إنفاقهم على مادة الغاز المنزلي ومياه الشرب (وخاصة في المدن الرئيسية) وعلى كلفة البحث عن مسكن وتكاليف انتقال بعض الأسر – خصوصاً في مناطق التوتر.
كما لوحظ زيادة الأعباء على المرأة الريفية، حيث اضطرت النساء إلى العمل في المزارع بأجور زهيدة، بالإضافة إلى بيع حليهن للمساعدة في مواجهة متطلبات المعيشة. يضاف إلى ذلك أعباء توفير الحطب للوقود بدلاً عن الغاز الذي لم يعد متوفراً، وأعباء جلب المياه نتيجة ارتفاع أسعارها وندرتها.
كما أثر الوضع سلباً على إرسال الأبناء إلى المدارس والالتحاق بالتعليم، وتدني نسبة الوصول والاستفادة من الخدمات الطبية والتعليمية (وخاصة في الأرياف) بسبب غلاء تكاليف الانتقال، وارتفاع أسعار المواصلات.
وبرزت أيضاً قضية الهجرة العكسية من الحضر إلى الريف في كثير من المناطق نتيجةً لفقدان الناس لفرص عملهم ومصادر رزقهم في الحضر، مما أدى إلى زيادة البطالة، وزيادة الضغط على الموارد في المناطق الريفية (بالرغم من شحتها أصلاً)، وكذا تدني قيمة التحويلات المالية كأحد الموارد المالية التي كانت تأتي من المدينة إلى الريف نظراً لانتهاء الأعمال في الحضر، الأمر الذي زاد من تفاقم مشكلة الفقر في الريف.
وفي ما يتعلق بالإنتاج الزراعي (وخاصة المعتمِد على الري)، فقد تأثر تأثراً كبيراً نتيجة ندرة وغلاء الديزل والمشتقات النفطية في كثير من مناطق الاستهداف، كما تأثرت الإنتاجية بارتفاع أسعار المدخلات الزراعية وأجور النقل للمنتجات الزراعية، بالإضافة إلى قطع الطرقات التي أثرت على تسويق المنتجات الزراعية، وبالتالي على تواجدها في أسواق المدن الرئيسة.
وقد رافقَ ارتفاعَ أسعار المشتقات النفطية ضعفٌ كبيرٌ في القدرة على تقديم الخدمات الصحية بالشكل المطلوب في الحضر والريف، وضعف قدرتها على مواجهة الأمراض السارية والمنتشرة. أما التضرر المباشر للمباني الخدمية، فقد كان ملاحظاً في مناطق التماس والتوتر المباشر مثل المدارس والمراكز الصحية والمباني الحكومية، التي تحول بعضها إلى ثكنات عسكرية.
وعلى الرغم من بروز بعض الظواهر الإيجابية (مثل زيادة التكافُل الاجتماعي في بعض مناطق الاستهداف، وزيادة نشاط بعض منظمات المجتمع المدني في التعاون مع المتأثرين بالأحداث..)، إلا أن الأحداثَ رافقتها – في بعض المناطق – ظواهرُ سلبية تمثلت في زيادة ظاهرة الاغتراب غير الشرعية (التهريب)، وظاهرة حمل السلاح في المدن الرئيسية بشكل كبير، وكثرة السرقات، وقطع الطرقات، وزيادة ظاهرة التسول من مختلف الأعمار (رجالاً ونساء وأطفالاً).. بالإضافة إلى الإشكاليات البيئية التي تركزت في الحضر بسبب التلوث، وتراكم القمامة، وفيضان المجاري (وخاصة البيارات)، الأمر الذي تسبب في انتشار الكثير من الأمراض.
وتجاه كل ما سبق، لجأت المجتمعاتُ المحلية إلى اتباع تدابيرَ وأساليب اجتماعية واقتصادية بديلةٍ لتدبير سُبُل المعيشة، وتوفير متطلبات البقاء،... تمثلت في تقليص الإنفاق، وخاصة على الكماليات، بل وعلى كثير من المكونات الغذائية.. بالإضافة إلى استخدام المدخرات لتوفير النقد واقتراض الناس من بعضهم البعض وبيع المقتنيات وبيع الأصول من أرضٍ وثروة حيوانية وغيرها في بعض المناطق الريفية. وقد كان واضحاً في معظم مناطق العينة تغيير النمط الغذائي الذي كان سائداً قبل الأحداث، حيث وَصَلَ سوءُ الحال فيه إلى تقليل عدد ومكونات الوجبات الرئيسية.
وقد استفادَ الصندوقُ الاجتماعي من نتائج هذه الدراسة، وتم تضمينها في سياسات الصندوق المتعلقة بتنفيذ التدخلات والأنشطة المختلفة لتصبح أكثر استجابة للمستجدات في الاحتياجات التنموية.
إنضم إلينا