Loading

SFD SFD

قصص من الميدان

من عجز الحرب تنبثق أذرع الإعجاز

من عجز الحرب تنبثق أذرع الإعجاز

استشارية التمكين: احلام جعدار - عمران

مكثت طويلاً أتأمل تفاصيل الحرب في اليمن ويصيبني الاحباط للتراجع السريع لحال اليمنيين اجتماعيا واقتصاديا وأتحسر على بصماتها السوداء على واقع المجتمعات الضعيفة أصلاً لاسيما في  محافظتي الريفية عمران، الأكثر حرمانا من أبسط مقومات الحياة. لقد دفع انشغال الناس بأخبار الحرب إلى إيمانهم باستحالة دخول أية مشاريع تنموية الى عمران واليمن عموماٌ في ظل توسُّع الدمار والعنف من ناحية، وأيضاَ انعدام وجود اي لاعب تنموي يستهدف أبعد المناطق ماعدا الصندوق الاجتماعي للتنمية الذي اتضح دوره لعامة الناس الآن اكثر من أي وقت مضى.

 

كدت أنسى معنى إسمي، وكادت تقتلني الحسرة حين وقفت بين جدران منزلنا عاجزة عن عمل ما يمكن أن يخفف عن واقع أسرتي أو مئات المجتمعات المتضررة. وفجأة، اذا بمكالمة هاتفية سارة من مشرفي ببرنامج "روافد" الذي تخرجت منه قبل سنوات قليلة بدعم الصندوق الاجتماعي للتنمية عارضاً علي المشاركة في برنامج التمكين في بمديرية حبور ظليمة بعمران. أدركت حينها أن ليلة القدر حلت علي وعلى آلاف القرويين وفي مثل هذه الظروف العصيبة التي اعتقد الجميع بأن التنمية أصبحت في عداد قتلى الحرب. بدأت العمل، وكان هدفي تحويل جدل الناس واهتماماتهم وممارساتهم من صعيد الحرب الى مضمار التنمية التي أثق فيه بقدراتي وحماسي. بعد التدريب، كانت بداية مهمتي تفعيل وتحفيز أفقر مجتمعات محافظتي بارشادهم الى الاعتماد على قدراتهم ومواردهم المحلية وردع الاتكالية والانتظار السلبي للآخرين حتى يحسنوا واقعهم الكارثي.

 

كانت لفرق التمكين توقعات كثيرة بتحديات شديدة، لكن تحدينا كان أقوى وأمضى فلم يعلن احد من 40 شابا وشابة استسلامه للتحديات مثل المواجهة بالسلاح والمشى عشرات الكيلومترات في ظل انعدام وقود المركبات. وفي نهاية المطاف حصدنا وتذوقنا احلى قطاف. فقد لمسنا الاحتياجات وعملنا على تحقيق اهم اولويات 60 مجتمع، بالتعاون مع ابنائها الذين تفاعلت نساؤهم قبل رجالهم لأول مرة في تاريخهم وبشكل فاق توقعاتنا. وركزنا اهم اهتمامنا على مساعدة القرويين لانتخاب ومن ثم تدريب أعضاء مجلس تعاون لكل قرية (نصفهم نساء) للقيام بقيادة المبادرات وتطوير خطط الاحتياج ذات الأولوية والعمل كحلقة وصل بين المجتمعات وأي جهة تنموية ومنها السلطات المحلية ولضمان لاستمرار المبادرات في كل قرية.

 

وكان دور النساء عظيماً بعد أن خرجن نحو حقول المبادرات على أمل التغلب على أكثر مشاكلهن صعوبة. كان من أمثلة ذلك أن قمن بشق طريق نحو بئر ظل مقطوعا لأربع سنوات ثم تنطيف البئر المنتج المهجور. ومن شدة اندفاع المجتمعات، انطلقت دموع الفرح وانا أرى هؤلاء اليائسين بالأمس وقد نفذوا 151 مبادرات متنوعة خلال أول 12 يوم من التدريب فقط. وبانتهاء مشروعنا، تم تحقيق ما اجماليه 254 مبادرة منها 63 مبادرة مجتمعية بقيمة اجمالية 28 مليون ريال فقط (نحو 60 ألف دولار) ساهم الصندوق بتمويل نصف كلفتها. لم تكن المبادرات لتتحقق لو استمر انتظار المجتمع للاعبين آخرين لتنفيذها خلال 10 سنوات. وكان حضور أعضاء مجالس تعاون القرية للتدريب بدون مقابل مادي كل تلك الأيام تفاعلاً غير متوقع خلال ظروف الحرب المتوترة.

 

وكان من ابرز المبادرات المجتمعية شق ورصف طريق الفاقعة (نحو 5 كيلومترات) التي ربطت خمس قرى هامة بمركز المديرية وعاصمة المحافظة وكذلك محافظة حجة المجاورة اختصرت نصف مسافة وكلفة الانتقال عبر الطريق البديل. وقد كانت مضت سنوات طويلة فشل خلالها القرويون في اقناع الأهالي بالتنازل عن قِطع من أراضيهم لتمر عبرها الطريق. لكن وبتفعيل مجالس تعاون القرى وأساليب المناصرة والاقناع في تلك المنطقة سرعان ما تحقق التنازل وسارع الجميع في التبرعات وبدأوا العمل وقدموا الدعم بالعمالة وحراسة أدوات المشروع ووجبات الغذاء للعمل مع توفر دعم مالي من الصندوق الاجتماعي.

 

كانت أجمل أيام حياتي وأنا ومجتمعي الفقير نقطف ثمار تدريبنا التنموي ضمن برنامج روافد ومؤخرا ضمن برنامج التمكين، وحين تفاعل معه المجتمع، باذلين كل جهودهم ووقتهم للنهوض والتغيير بالرغم من امكانياتهم وقدراتهم البسيطة. هذه الثمار أيضا جعلتني أصعد سلماَ خاصاَ بحياتي كنت احلم به كمحفزة اجتماعية متعلمة بأسلحة التحسين المجتمعي الذي سيكون سلاح المستقبل الذي قد لا تجد أفقر المجتمعات أكثر منه فعالية واستدامة ومشاركة.

 

وعلى المستوى الشخصي، تحسنت الظروف المعيشية لعائلتي من عقدي مع الصندوق الاجتماعي للتنمية بقيمة 2300 دولار. لقد دعمت أهم احتياجات أسرتي خاصةً المواد الغذائية وسددت ديوننا ودعمت أخي لشراء قطع غيار لسيارته الأجرة التي يعمل عليها، كما دفعت قيمة مقعد حافلة لنقل أختي إلى الجامعة.

لقد حررت جميع الانجازات المذكورة روحي من سجن الحزن ودعمت مسيرتي المهنية بقوة لتجعلني محفزة مجتمعية ريفية يزداد الطلب عليها بشكل مستمر من جانب منظمات الإغاثة التي تسعى إلى أن تكون تدخلاتها مستدامة وفعالة وتشاركية.  

قصص من الميدان